المقالات

يوسف الحسني… حين نكتب من الجُرح لا من الزيف

بعض الكتّاب يُربتون على الألم، يهمسون لنا بكلمات مواساة تشبه المهدئات…لكن الدكتور يوسف الحسني لم يكن يومًا من أولئك.
لقد دخل إلى جروحي كما يدخل الجرّاح إلى الجسد: بوعي، بجرأة، وبدون مخدّر.
كنت أكتب في البداية لأُفرغ الغضب…لأُطلق صوتي الذي خنقته سنوات الطفولة والخوف.
كتبت لأثبت أنني أستطيع، أنني أملك الحق في التعبير، في الرفض، في الصراخ.
كنت أكتب من الحافة… من سطح التجربة، لا من عمقها.
ثم جاء لقائي الأول مع كتابه “عُقدك النفسية سجنك الأبدي”.
لم يكن كتابًا عاديًا، بل مرآةً فجّرت الأسئلة التي خبأتها طويلًا:
هل أنا حرة فعلًا؟ أم أكتب من خلف قضبان قديمة؟هل ما أفعله شفاء… أم مجرد تمويه؟
كان يوسف الحسني يكتب بعين المحلل، لكن بقلب من يعرف تمامًا ماذا يعني أن تُربّى على الصمت.
كان يضع إصبعه على الندبة ويقول: “هنا يسكن وجعك… لا تخف، انظر إليه”.
كتبه لم تفتح لي جراحًا جديدة، بل أعادتني إلى تلك التي كنت أهرب منها بذكاء.
علّمني أن القوة لا تكون في الصراخ، بل في الاعتراف.
أن الكتابة التي لا تخرج من مواجهة الذات، تظل مجرد صدى لا صوت له.
ثم جاء “اعرف وجهك الآخر”، فأدركت أنني كنت أكتب لأقنِع الآخرين أنني بخير، بينما كنت أغلق الباب في وجه نفسي.
وبفضله، لم أعد أكتب لأثبت أنني أستطيع… بل لأني أريد أن أفهم، أن أتصالح، أن أشفى.
وهكذا، انطلقتُ في مشروع كتابي الثاني “العناد”، لا كتمردٍ خارجي، بل كمصالحة داخلية.
كتبت وأنا أعرف أخيرًا من أين يأتي هذا الصوت الغاضب في داخلي،ومن أين وُلِد هذا الإصرار على الكلام.
لم يكن عنادًا ضد أحد، بل عنادًا لأجل سلمى التي سكتت طويلاً.
كل حرف كتبته بعد يوسف الحسني، حمل نَفَسًا جديدًا.
حرف واعٍ، لا يصرخ فقط، بل يُفكّر، يُحلل، ويحتضن ذاته.
لهذا، إن سألني أحد:
من الكاتب الذي لم يغيّر أسلوبك فقط، بل أعاد تعريفك لنفسك؟
سأقول بلا تردّد:
يوسف الحسني،
لأنه لم يكن مجرد كاتب… بل رفيق رحلتي إلى أعماقي.

بقلم: سلمى القندوسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى