
في عالم الأدب العربي، وبين رفوفه التي طالما عبقت بالشعر والرومانسية والتاريخ، ظهر صوت جديد شق العتمة بأسلوبه المختلف، ونبش في زوايا الظلام ليصنع منها أدبًا يأسر العقول ويوقظ الخيال. ذلك الصوت هو حسن الجندي، الكاتب المصري الذي منح أدب الرعب روحًا عربية، وجعل من الخوف حكاية تُروى لا لتُرهِب، بل لتُدهِش.
ولد حسن الجندي في زمن كانت الرواية العربية فيه تميل إلى الواقعية والاجتماعية، لكنه اختار طريقًا آخر؛ طريق العوالم الماورائية، والأرواح التائهة، والرموز الغامضة، ليصبح بذلك أحد أبرز رواد أدب الرعب في العالم العربي الحديث. وما يميز كتاباته ليس فقط جرأتها في الغوص في عوالم الجن والموتى والأسرار المدفونة، بل أيضًا قدرتها على أن تُبقي القارئ مشدودًا، ممسوسًا بالسرد حتى آخر نفس في الصفحة الأخيرة.
من “مخطوطة ابن إسحاق” التي فُتحت أبوابها لقراء متعطشين للرعب الحقيقي، إلى “منزل أبو خطوة” الذي أضحى رمزًا لكل بيت قديم تسكنه اللعنات، مرورًا بـ “الجزار” و”نصف ميت”، وكلها أعمال تراوحت بين الرعب النفسي، والماورائي، والأسطورة الشعبية. شخصياته ليست خارقة، بل هي من لحم ودم، تشبهنا، تخاف مثلنا، وتخوض مغامرات لا نجرؤ نحن على خوضها. هو لا يصنع أبطالاً؛ بل يصنع بشرًا يُبتَلون بالمجهول.
لكن وراء هذا السرد المشوق، يكمن عقل روائي بارع، وضمير فني واعٍ. حسن الجندي لا يسرد لمجرد التسلية، بل يزرع في كل رواية سؤالاً فلسفيًا عن الحقيقة، عن الإيمان، عن الهوية، وحتى عن الشر والخير. وكأن الرعب ليس إلا قناعًا يسقط منه شيئًا من الحقيقة.
ما فعله حسن الجندي بالأدب العربي ليس قليلاً. لقد أعاد تعريف حدود الرواية، وفتح الباب أمام جيل جديد من الكتّاب والقرّاء لا يخشون المغامرة الأدبية. جعل من أدب الرعب مدرسة قائمة بذاتها، لا تكتفي بإخافة القارئ، بل تجعله يفكر، ويحلل، ويتأمل.
إن كان لكل عصر كاتب يمثّله، فإن حسن الجندي هو ابن هذا العصر بامتياز؛ كاتب يؤمن بقوة الخيال، وبأن الأدب لا يُرعب إلا ليوقظ، ولا يُدهش إلا ليكشف، ولا يُمتِع إلا ليبني جسورًا خفية بين الواقع وما وراءه.
بقلم: سلمى القندوسي