
قالت نوال السعداوي يومًا: “الحجاب ليس الشرف”، وربما لأول وهلة تصدمك الجملة، لكنني لا أختلف معها كثيرًا في ظاهر القول. فالشرف أوسع وأعمق من أن يُختزل في قماش يغطي الرأس. هو سلوك، وضمير حي، والتزام داخلي لا تفرضه مظاهر خارجية. غير أن ما أختلف فيه معها، هو التهوين من قداسة الحجاب ودلالاته.
الحجاب، بالنسبة لي، ليس رمز قمع ولا ميراث عبودية كما زعمت، بل هو موقف وجودي. هو إعلان حرّ عن هويتي، واختياري لطريق العفاف والالتزام. هو عبادة قبل أن يكون عادة، وهو رسالة قبل أن يكون شكلاً. ليس غطاءً على الرأس فحسب، بل غطاءٌ للنية، وانضباط للسلوك، وحدود للعلاقة مع الآخر. هو قول غير منطوق: “أنا أحترم نفسي، وأطلب الاحترام في المقابل”.
نعم، ليس كل من ترتدي الحجاب على خُلق، وليس من لا ترتديه بلا شرف. لكن من ترتديه عن وعي، تعرف جيدًا أن الحجاب لا يتوقف عند غطاء الشعر، بل يشمل ترك الزينة، والبعد عن الإغواء، ورفض التبرج والتصنّع. الكعب العالي الذي يقرع الأرض كأنما ينادي: “انتبهوا، أنا هنا!”، ليس من الحياء في شيء. والوجه المصبوغ لا يعكس صورة الحياء الذي أراده الله للحجاب. لهذا، فإن تغطية الرأس دون التزام داخلي لا تُسمّى حجابًا… بل تمويهًا.
لكن نوال السعداوي، الكاتبة والطبيبة والمدافعة الشرسة عن قضايا المرأة، خاضت معركة من نوع آخر. وُلدت في أكتوبر 1930، وتخرجت طبيبة مختصة بالأمراض الصدرية من جامعة القاهرة. لم يوقفها الطب عن خوض معارك الفكر، فواجهت السجن والنفي، ورفعت شعار الثورة على كل الموروثات، بما في ذلك الدين ذاته، كما قالت مرارًا.
هاجمت الحجاب ووصفته بأنه لا علاقة له بالإسلام، بل موروث يهودي قديم. قالت إن مناسك الحج وثنية، وإن نظام الميراث الإسلامي ظالم للمرأة، ودعت إلى تغييره. رفضت تعدد الزوجات واعتبرته دعوة للانحلال، بل طعنت في فكرة القوامة ذاتها متسائلة: “كيف يكون رجل جاهل قوامًا على امرأة دكتورة؟”
قد نتفق معها في بعض المطالب الاجتماعية، كحق المرأة في التعليم أو في رفض العنف. لكن حين يتجاوز النقد حدود الطرح ويطعن في أصول الدين، تنقلب الثورة إلى فوضى فكرية. فحرية الفكر لا تعني المساس بالثوابت، ولا يجوز أن نخلط بين الثقافة الذكورية التي ظلمت المرأة، والدين الذي أنصفها.
نوال السعداوي كانت شجاعة، لكن الشجاعة لا تُبرّر العدوان على المقدسات. كانت ثائرة، لكن الثورة الحقيقية تنبع من احترام الذات واحترام الآخر، لا من تهشيم الرموز والهوية. ووسط كل هذا الضجيج، يبقى الحجاب عندي فعلًا بسيطًا في شكله، عظيمًا في دلالته، لا يختصر الشرف، لكنه يظل من أبلغ تعبيراته.
بقلم:سَلْمَى القَنْدُوسِي