
في خيمةٍ واهنةٍ لا تكادُ تصدُّ ريحًا ولا دخانًا، جلست هي وأختها متعانقتين.
الأرضُ تهتزُّ من هدير القصف، والسماءُ تتشققُ بصوت الموت المتساقط.
كلُّ ما حولهما يصرخ: رُعب، نار، دماء، وأشلاء مبعثرة لم تعد تخفى عن الأنفاس.
حتى الهواء صار مثقلاً برائحة الموت، أقوى من رائحة النار المشتعلة، كأنَّه يُرغم صدورهما على تذوّق الفقد قبل أن يحلّ.
الأخت الصغرى دفنت وجهها في صدر أختها الكبرى، تبكي كطفلةٍ لا تجد حضنًا سواها.
والكبرى، رغم أن قلبها يتفتّت خوفًا، مسحت على شعرها المرتجف وهمست:
“لا تخافي… الله معنا… الله أكبر من كل هذا الدمار.”
لكن صوتها كان مرتعشًا، كأن الكلمات تحاول أن تُطمئن غيرها وهي لا تجد مأمنًا تلجأ إليه.
وحيدتان… بلا أم، بلا إخوة ولا أخوات، محاطتان بظلامٍ يقطعه وهجُ القذائف، لا تملكان شيئًا سوى يديهما المرتجفتين وعيناهما المتعلّقتان برحمة الله.
كانت كلٌّ منهما تبحث عن الأمان في الأخرى، وكأنّ النجاة بأسرها محصورةٌ في ذلك العناق الضيّق بين جسدين صغيرين.
تساءلتا في صمت: أهي النهاية؟ أم أنّ رحمة الله ستُغلق هذا الجحيم وتفتح لهما باب نجاة؟
هل سيأتي الصبح ليبدّد رائحة الموت من الهواء، أم سيبقى الليل شاهدًا على آخر أنفاسهما؟
وفي قلب الخيمة الصغيرة، ارتفع الدعاء كزفرةٍ أخيرة، وكأنهما ألقيا بروحيهما بين يدي الله قائلتين:
لا نجاة إلا بك… يا رحيم، أنقذنا من هذا الموت الذي يزحف إلينا مع كل نَفَس.
بقلم :مرتينا موسى برادعية