
يعد موضوع الأخلاق من القضايا الفلسفية الشائكة والمعقدة. فهي واحدة من المفاهيم الأساسية التي تنظم العلاقات الاجتماعية، إذ طالما كان الإنسان جزءًا من جماعة، فلا بد من وجود أخلاق وسلوكيات تحدد حدوده داخلها.
من البديهي القول إن الأخلاق مكتسبة، فالطفل الصغير عندما يبدأ في محاولة فهم محيطه قد يقوم بأفعال تتعارض مع الأعراف والقوانين الاجتماعية المتعارف عليها. فمثلًا، إذا سرق ألعاب أطفال آخرين، فإنه بذلك يخالف أحد أعراف المجتمع، لكنه لا يُعاقب بالسجن كما يُعاقب البالغ، وذلك لعدم وعيه بأفعاله، فهو لا يزال في مرحلة التعلم والاكتساب. لكن بعد أن يتم تلقينه تلك الأعراف والقوانين الاجتماعية، تُمارَس عليه أشكال من التوجيه والتقويم مثل الأوامر والنواهي: “افعل”، “لا تفعل”، “لا ينبغي عليك فعل هذا”، إلى أن تتشكل لديه منظومة أخلاقية واضحة.
هل الأخلاق تقيّد حريتنا؟
يحيلنا هذا السؤال إلى قضية فلسفية جوهرية تتعلق بعلاقة الأخلاق بالحرية. فالحرية تُعرَّف بأنها التحرر من القيود المادية والمعنوية، في حين أن الأخلاق تنظم السلوك البشري وفقًا لمجموعة من الشروط التي تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة. وبذلك، فإن الأخلاق لا تُعد قيدًا على الحرية بمفهومها الصحيح، بل هي وسيلة للحفاظ على توازن المجتمع، إذ إن الحرية لا تعني الفوضى، بل تستلزم ضوابط تمنع الأفراد من القيام بأعمال يرفضها المجتمع بأسره.
هل يمكن تصور العالم دون أخلاق؟
يُعد تصور عالم بلا أخلاق مجازفة خطيرة، فالأخلاق تشكل أساس التماسك الاجتماعي، وهي ضرورية لضمان العيش بأمان وسلام. فلو وُجد مجتمع بلا أخلاق وضوابط تمنع الأفراد من انتهاك حرية وأمن الآخرين، لعمّت الفوضى وساد عدم الاستقرار، مما قد يعيد البشرية إلى حياة الغاب، حيث لا وجود لقوانين أو مبادئ تنظم العلاقات بين الأفراد.
هل الأخلاق ترتبط فقط بالعلاقة مع الآخرين، أم أنها تضبط الفرد تجاه نفسه أيضًا؟
من المتعارف عليه أن الأخلاق تُطبق لضبط سلوك الفرد في تعامله مع الآخرين، لكن هل يمكن اعتبار التصرفات التي يمارسها الإنسان خوفًا من العقاب أخلاقًا حقيقية؟ يرى الفيلسوف فريدريك نيتشه أن الأخلاق التي تنبع من الخوف والخضوع ليست سوى “أخلاق العبيد”، أي أنها ليست نابعة من قناعة داخلية، بل من الامتثال للقوانين المفروضة. في المقابل، الأخلاق الحقيقية هي تلك التي يدرك الفرد ضرورتها لمصلحة الجميع، لا لمصلحة فئة معينة فقط. فإذا امتنع الإنسان عن فعل شيء ما لمجرد أن المجتمع يرفضه، رغم أنه يراه أمرًا لا ضرر فيه، فهذه ليست أخلاقًا بل استسلام للمعايير المفروضة. أما الأخلاق الحقيقية، فهي تلك التي تقوم على التضامن وتسهم في بناء قيم تخدم مصلحة الجميع.
بقلم: أمين بنهدي
مقال جميل على شكل المحترفين
احترم فيه الكاتب
مايبغي احترامها
بما في ذلك الأسلوب الفلسفي
والفكرة العامة
بالإضافة إلى اللغة
نسئل الله واجد الوجود له التوفيق والسداد والنجاح.