المقالات

ما بين أول صرخة… وآخر هدنة

بدأت الحكاية بصوتٍ شقَّ سكون الفجر،
لم يكن انفجارًا فحسب، بل ولادةً للوجع،
وارتجف العالم على وقع أول صرخةٍ خرجت من قلب فلسطين.
تساقطت البيوت كأنها أوراق خريفٍ محترقة،
وانطفأت النوافذ التي كانت تُطلّ على الحياة،
وصارت الأمهات يضُممنَ أطفالهنّ بين الذراعين كأنهنّ يحتجزنَ أرواحهم من الرحيل.
منذ تلك اللحظة، تغيّر وجه الأرض،
وصارت السماء تُمطر نارًا بدل المطر،
وصار الليل أطول من قدرة القلب على الاحتمال.

مرّت الأيام ثقيلةً، تجرّ خلفها أنينًا لا يهدأ،
صار الأطفال يعرفون شكل الحرب أكثر من شكل الطفولة،
وصارت الضحكات تُقال على استحياء،
كأنها اعتذار للحياة وسط الركام.

عامان مرا على الجرح المفتوح،
عامان من العدّ على الأصابع: من بقي؟ من رحل؟ ومن لم يُعرف بعد؟
حتى غدت الدموع عادة، والصبر مهنةً يتقنها الجميع.

ثم جاء ذلك الإعلان، كأن السماء نفسها تنفّست بعد طول اختناق:
“الإعلان عن وقف الحرب.”

جملة قصيرة… لكنها أطلقت زفراتٍ حبيسة منذ عامين.
خرج الناس من تحت الردم كمن يعود من الموت،
تلمّسوا الضوء بأصابع مرتجفة،
واكتشفوا أن الهواء ما زال موجودًا،
وأن الحياة رغم هشاشتها لم تُغادر تمامًا.

ضحك الأطفال لأول مرة دون خوفٍ من الصدى،
وبكت الأمهات بصمتٍ مزيجٍ من راحةٍ وحنينٍ وغياب.
حتى السماء استعادت لونها الأزرق الخجول،
كأنها تعتذر عمّا فعلته الغيوم من قبل.
ومع ذلك… لم يكن السلام سهلاً.
فالذين عاشوا الحرب لا يعودون كما كانوا،
الوجع يسكن في العيون، والذاكرة ترفض النوم.
لكن وسط كل هذا الخراب، نهضت زهرة،
وأعلنت أن الحياة تعرف طريقها، ولو من بين الرماد.
سلامٌ على أول صرخةٍ أيقظت العالم،
وسلامٌ على آخر هدنةٍ أطلقت تنهيدة الأرض،
وسلامٌ على القلوب التي عبرت النار وبقيت تنبض،
تؤمن أن النور لا يموت،
وأن فلسطين مهما أثخنتها الجراح ستظلّ تُعلّم العالم معنى البقاء.

_مرتينا موسى برادعية ✍🏻

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى