المقالات

ذوو الاحتياجات الخاصة… حين تمشي العزيمة على هيئة إنسان

ليسوا ظلالًا على هامش الطريق، ولا كسرًا في صورة الحياة، بل هم نبضها الخفيّ الذي يصرّ على الخفقان، وسرّ قوتها الصامت الذي يعلّمنا الصبر دون ضجيج. يمشون بيننا بقلوبٍ أثقلها الصبر حتى امتلأت حكمة، وأرواحٍ صقلتها المعاناة حتى أصبحت أنقى، وعيونٍ ترى العالم بعمقٍ موجعٍ وجميل لا نبلغه نحن.

نحن نسميهم “ذوي إعاقة”، وهم في الحقيقة ذوو إرادة لا تنكسر مهما اشتدّ العصف، وذوو حلم لا يشيخ مهما طالت الطرق، وذوو روح أقوى من كل الحواجز التي وضعها المجتمع قبل أن تضعها الحياة. قد تتعثّر أقدامهم، لكن قلوبهم تركض نحو الحياة ركضًا جميلًا، ركضًا لا يعرف الاستسلام ولا يعترف بالهزيمة.

هم لا يريدون صدقات من شفقة باردة، بل حقوقًا من عدلٍ دافئ. لا يطلبون أن نراهم ضعفاء، بل أن نراهم كما هم: بشرًا كاملي الإنسانية، لهم ما لنا، وعليهم ما علينا، لهم الحق في الحلم دون خوف، في العمل دون تمييز، في المحاولة دون سخرية، في الفشل دون قسوة، في النجاح دون تشكيك، وفي أن يكونوا جزءًا لا يُستثنى من دفء هذا الوطن وأمانه.

نقول عنهم: ذوو احتياجات خاصة، لأن للحياة معهم شكلًا آخر من الرعاية، أكثر إنسانية، أكثر وعيًا، لا لأنهم أقل قيمة، بل لأن قلوبهم خُلقت لتُحتضن أكثر، ولأن أرواحهم تستحق طرقًا أوسع، لا جدرانًا أعلى ولا عيونًا متعالية.

بعضهم لا يسمع… لكنه يسمع الحياة بقلبه، ويسمع الألم حين نعجز عن سماعه.
بعضهم لا يرى… لكنه يرى الحق بوضوح لا نراه، ويبصر الجمال حيث نعجز نحن عن الإبصار.
بعضهم لا يقف طويلًا… لكنه علّمنا كيف نقف بثبات أمام الألم، وكيف نواجه الحياة بكرامة رغم التعب.

هم ليسوا وجعًا في جسد المجتمع، بل بلسمًا في روحه، ووجودهم بيننا امتحان صادق لإنسانيتنا:
هل نمرّ بجانبهم كأنهم عابرون لا شأن لهم بنا؟
أم نفتح لهم قلوبنا قبل أيدينا؟
هل نكتفي بنظرة شفقة عابرة؟
أم نمنحهم مكانًا حقيقيًا في الحياة، في القلب، وفي المستقبل؟

ذوو الاحتياجات الخاصة ليسوا حكاية حزن، بل قصيدة صمود تُكتب كل يوم بالصبر والأمل.
ليسوا صفحة رمادية، بل سطرًا من نور في كتاب الحياة.
ليسوا نقصًا في الخَلق، بل كمالًا في المعنى، ورسالة عميقة لمن أراد أن يفهم.

فاحترموهم…
لا لأنهم مختلفون عنا،
بل لأنهم يشبهوننا أكثر مما نظن، ويشبهون أحلامنا أكثر مما نتخيل.

واسألوا قلوبكم جيدًا، بصدقٍ لا يعرف المجاملة:
من المعاق فعلًا؟
من سار على قدميه لكنه فقد إنسانيته…
أم من سار على وجعه، ولم يفقد قلبه؟

مرتينا موسى برادعية ✍🏻.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى