خواطر ونصوص

حين يكون الانشغال رحمة

أعظم ما يرزق الله به عبده أن يشغله بما ينفعه، ويملأ أوقاته بالخير والعلم والعمل؛ فينصرف عن سفاسف الأمور، ويغيب عن مواطن اللهو واللغو. فالإنسان حين يُبتلى بفراغٍ ممتدّ، يصبح قلبه عُرضةً للوساوس، وعقله ساحةً للظنون، ونفسه مسرحًا للتعب والاضطراب. غير أنّ الانشغال بما فيه معنى يطهّر الروح من هذا كلّه، ويُقيم جدارًا صلبًا يحول بينه وبين أذى الفراغ.

حين يكون وقتك غامرًا بالنافع، لن تجد فرجةً صغيرة لتسكنها الأوهام، ولن يبقى فيك موطئ قدمٍ للضجر أو العبث. حتى الهاتف بما فيه من غوايات ونداءات، يتضاءل أمام امتلاء قلبك بما هو أسمى؛ إذ لا يعود للانشغال بالتفاهات مكان في نفسٍ رُزقت لذّة الجدّ.

إنّ نعمة الانشغال بالخير ليست نعمة عابرة، بل هي رحمة كبرى من الله، تُساق إليك لتُبقيك في دائرة الطمأنينة. فالعمل الذي ينهك جسدك يُحيي روحك، والعلم الذي يرهق عقلك يُنير بصيرتك، والسعي الذي يأخذ من وقتك يُضاعف لك أجر الساعات في سجلّ السماء.

احمد الله كلما وجدت نفسك غارقًا في مسؤوليةٍ نافعة، أو مشروعٍ يبنيك، أو علمٍ يرفعك. فذلك دليل عناية إلهيّة، وحماية خفيّة من وحشة الفراغ وآثاره. وما أجمل أن يمضي العمر وأنت مشغول بما يثمر، فلا تلتفت خلفك إلّا وقد صار طريقك نورًا ممتدًّا، وعمرك شاهدًا أنّ الله لم يتركك للتيه، بل شغلك بما يحبّ ويرضى.

_ مرتينا موسى برادعية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى