المقالات

الأشهر الحُرُم… زمَنٌ اصطفاه الله

 

 

في عالمٍ يركض فيه الناس وراء الوقت، قلّ من يقف ليسأل نفسه: هل للزمن قُدسية؟ وهل هناك من الشهور ما اصطفاه الله دون غيره؟

نعم… إن في تقويم الإسلام ما هو أسمى من مجرد تقسيم للوقت. فالله عزّ وجل، الذي خلق السماوات والأرض، اختار من بين شهور السنة أربعةً ليكونن حُرُمًا، فقال تعالى:
“إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ… مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ” [التوبة: 36].

هذه الأشهر هي: ذو القعدة، ذو الحجة، المحرّم، ورجب.
فما معنى أن تكون هذه الأشهر حُرُماً؟
إنه تعظيمٌ إلهيٌّ لها، ونداءٌ للقلوب الحيّة بأن تتأنّى، بأن تُراجع، بأن تُقدّس الزمان كما قدّسه الخالق.

الأشهر الحرم ليست فقط مواعيد موسمية في التقويم، بل هي محطات روحية، يُربّي الله فيها عباده على احترام الحرمات، على كفّ الأذى، على ردع النفس عن الظلم، وعلى التوجّه الصادق إليه. فيها يُضاعف الأجر، ويُشدّد على الوزر، لتكون ميزانًا عدلاً يوقظ القلوب الغافلة.

في رجب، هذا الشهر الفرد بين الثلاثة المتتالية، تتفتح لنا نافذة من نور، تسبق شعبان ورمضان، لعلّنا نستعد، ونتطهّر، ونلتمس الرضا.
وفي ذو الحجة، يتجلّى الحجّ والوقوف بعرفة، حيث تغتسل الأرض من آثامها.
وفي المحرّم، بدايةٌ لعامٍ هجريٍّ جديد، تُكتب فيه نوايانا، وتُنسج أحلامنا.
أما ذو القعدة، فهو ممرّ سكون قبل ضجيج الرحلة المقدّسة.

فهل نستشعر هذا التقديس؟
هل نعطي الزمن قَدْره، ونعطي لله ما لله؟

إن تعظيم الأشهر الحُرم هو تعظيم لله، وهو امتحانٌ مستمرّ:
هل نُجاهد أنفسنا كما نجاهد أعداءنا؟
هل نكفّ عن الظلم كما نكفّ عن القتال؟
وهل نستغل هذه الأشهر في ترميم العلاقة مع الله، كما نُرمّم ما انهار في دنيانا؟في زمنٍ كثر فيه الظلم، قد نُدرك متى نظلم غيرنا، لكننا نغفل كثيرًا عن أشد أنواع الظلم: ظُلم النفس.

حين تُلقي بنفسك في وحل الذنوب،
حين تُؤجّل التوبة،
حين تُطفئ نور الفطرة بداخلك،
حين تعرف الحق وتدير له ظهرك…
فأنت تَظلِم نفسك.

 

وفي الأشهر الحرم، حيث عظّم الله الزمان، وجب أن نُراجع علاقتنا بأنفسنا. لا تُقصّ جناحيك وأنت قادر على التحليق، لا تَحرم نفسك من الرحمة وأبوابها مشرعة، ولا تستهِن بخطوات العودة، فالله أقرب مما تظنّ.

فلا تَظلِم نفسَك، وامنحها فرصة النجاة… قبل أن يُقال: فات الأوان.

 

إنها دعوة للتأمل… للتوبة… للعودة.

من تزطوطين، حيث تربّت روحي على الفطرة، أكتب إليكم دعوة لا إلى الماضي، بل إلى أنفسكم… أن تعظّموا ما عظّمه الله، قبل أن يداهمنا الوقت الذي لا يعود.

بقلم : آية الرمضاني _ المغرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى